أزمة الرجال مع الصورة النمطية لـ”الرجولة” في المجتمعات العربية

أزمة الرجال مع الصورة النمطية لـ”الرجولة” في المجتمعات العربية 

مقدمة:

منذ الطفولة، يُلقّن الذكر العربي أن “الرجولة” ليست خيارًا، بل هوية صارمة يجب أن يرتديها، ويتقن أدوارها بحذافيرها. ولكن، ما لم يُقال هو أن هذه الصورة المثالية للرجولة تُبنى على حساب إنسانيته.

هذه ليست أزمة هوية فقط، بل أزمة وجود صامتة يعيشها كثير من الرجال دون صوت.

ما هي الصورة النمطية للرجولة؟

في الثقافة العربية التقليدية، يُتوقع من الرجل أن يكون:

صلبًا لا يُكسر.

مُعيلًا لا يحتاج لإعالة.

قائدًا لا يُقاد.

لا يُظهر المشاعر، خاصة الحزن أو الضعف.

قليل الكلام كثير الفعل.

المجتمع يحتفي بالرجل القوي القادر على “التحمّل”، ويخجل من الرجل الحساس أو العاطفي أو المتردد. هذه التوقعات لا تُفرَض فقط من قِبل الرجال على بعضهم، بل من النساء أحيانًا، ومن الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره.

الجانب الخفي للأزمة:

1. الصراع الداخلي:

الرجل يواجه تعارضًا بين ما يشعر به فعلًا، وما يُفترض أن يُظهره. هو يتألم، لكن لا يُسمح له بالتعبير.

يعاني من الاكتئاب، لكنه يخشى أن يُتهم بالضعف.

يريد الحديث، لكنه تعلم أن “السكوت من شيم الرجال”.

2. الضغط الاجتماعي المكبوت:

الضغط لتوفير المال والنجاح دون فشل.

الضغط للزواج والإنجاب حتى وإن لم يكن جاهزًا.

الضغط للبقاء “قائدًا” في بيت لم يُعطَ فيه الحق في التعبير أو الاختيار.

3. الصحة النفسية المهدورة:

بسبب الإنكار المجتمعي لضعف الرجل، فإن معدلات الاكتئاب، الانتحار، الإدمان، والانهيار العصبي بين الذكور آخذة في الارتفاع، لكنها لا تُناقش كثيرًا، لأنها “تُخدش الصورة”.

الرجولة الجديدة: إعادة التعريف

الرجولة ليست قناعًا تُجبر على ارتدائه.

الرجولة لا تعني القسوة، بل القدرة على التحمل دون أن تُلغي نفسك.

الرجولة الحديثة يجب أن تعني:

الاعتراف بالمشاعر دون خجل.

تحمل المسؤولية دون إنكار الذات.

طلب الدعم دون شعور بالنقص.

ممارسة التعاطف، حتى مع النفس.

نماذج من الواقع:

شاب جامعي يعاني من اضطراب قلق لكنه لا يخبر أحدًا لأنه “ابن العائلة الكبيرة”.

أب لا يستطيع التعبير عن حبه لأبنائه لأن والده لم يفعل ذلك معه يومًا.

زوج يعاني من ضغط مادي ونفسي لكنه يبتسم لأنه “لا يجوز للزوج أن يشتكي”.

الخاتمة:

صورة “الرجل الخارق” التي رسمها المجتمع العربي ليست واقعية، ولا إنسانية.

الرجولة ليست نفيًا للمشاعر، بل إدارتها بشجاعة.

ليست إنكارًا للضعف، بل الاعتراف به والتعامل معه بوعي. 


كلما أسرعنا في إعادة تعريف الرجولة، كلما أنقذنا رجالًا كثيرين من الصمت، من الانهيار، وربما من الموت.




تعليقات

المشاركات الشائعة